قبل أن نبدأ بموضوع رواية القصة ودورها في تحفيز هرمونات التسويق العصبي دعنا نرجع إلى فترة الثمانينيات – في الوقت الذي كان الإعلان التلفزيوني لا يزال هو الطريقة المفضلة لجذب انتباه العميل العادي – تم عرض إعلان عام 1987 مدته قصيرة جدا تصل إلى 15 ثانية – بمثابة إعلان واضح وفي قمة الإقناع حول خطر المخدرات. نرى أولاً في الإعلان زبدة ساخنة تذوب في المقلاة ونسمع صوتاً يقول “حسناً، آخر مرة. هذه مخدرات” بعد مرور الست ثوانٍ، تسقط بيضة على المقلاة ويقول الصوت “هذا هو دماغك عند تعاطي المخدرات” ونشاهد البيض يغلى – ويقلى بسرعة – وعند مرور 12 ثانية يسأل الصوت” هل من أسئلة؟”
بالنظر إلى الإعلان هناك بعض الأشياء التي أذهلتني بشأن الإعلان هي:
أولاً: إنه مثال رائع على كيفية رواية القصة بتنسيقات قصيرة جداً (تنبئ بما سيتعلمه المسوقون لاحقاً في العصر الرقمي). حيث يذكرني الإعلان أيضاً بالحملات العديدة لمكافحة المخدرات في تلك الحقبة والتي فشلت في إشراك أصحاب المصلحة بسبب الافتقار إلى أداة خطابية فعالة كما علمنا لاحقاً. ولكن أكثر ما أعجبني في الإعلان هو رسالته “هذا هو دماغك عند تعاطي المخدرات”.
تم تأسيس علم رواية القصة على أساس فهم كيفية استخدام كيمياء الدماغ (هرمونات التسويق العصبي) – لكل من الخير والشر – لتغيير السلوك البشري. فعندما نرى البيضة تسقط في المقلاة؛ يختلط مزيج من المواد الكيميائية في دماغنا ويأخذنا في رحلة.
الوعي، الإثارة، العمل
في الوقت الحالي قد يبدو الإعلان قديماً ولكنه غريباً نوعاً ما، والسبب في ذلك أننا في الوقت الحالي نعرف الكثير عن كيمياء الدماغ والدور الذي تلعبه رواية القصة في تنشيط مجموعة صغيرة من المواد الكيميائية الطبيعية (هرمونات التسويق العصبي) عندما يستمع الناس إلى رواية القصة. تم إضفاء الطابع الاجتماعي وكيمياء الدماغ على موضوع رواية القصة في كل من الكتب العامة وكذا الأكاديمية مثل أفضل الكتب مبيعاً لـ Charles Duhigg لعام 2014 “The Power Of Habit: Why We Do What We Do In Life and Business” (الذي لا يتعلق برواية القصة في حد ذاته، ولكنه يغطي تفاصيل كثيرة في الموضوع)، كذلك لا ننسى المذكرات الأكاديمية الممتعة لـ Jonathan Gottschall’s في العام 2013 The Storytelling Animal: How Stories Make Us Human. ” هذه الكتب وغيرها أنتجت مقالات لا حصر لها من قبل المتخصصين في مجالات الأعمال التطبيقية والتجارية.
أكاديمي آخر – Paul Zak الأستاذ في كلية Claremont للدراسات العليا – وضح استخدم الفيديو بذكاء (وسيلة رائعة للقصة لأنها تعزز الرؤية والصوت والحركة) لإخبارنا قصة كيمياء الدماغ وارتباطها برواية القصة.
هرمونات التسويق العصبي الأكثر ذكراً عند رواية القصة:
قبل أن أبدأ في شرح فيديو زاك؛ اسمح لي أن أعطي تمهيداً سريعاً عن المواد الكيميائية الطبيعية (هرمونات التسويق العصبي) الأكثر ذكراً عند رواية القصة وهي:
- هرمون الكورتيزول (cortisol): الذي يتم إنتاجه عندما يستدعي شيءً ما انتباهنا مثل القلق. عندما نسمع عن التهديدات المحتملة في بيئتنا – أو نسمع شيئاً مؤلماً في قصة ما – يساعدنا الكورتيزول على البقاء منتبهين ويقضين. من وجهة نظر المسوق قد يكون الكورتيزول هو المركب الأكثر ارتباطاً مع رحلة العميل في “أعلى قمع التسويق” فهو الاتصال الأول مع العميل ويُعرف باسم الوعي.
- هرمون الدوبامين (dopamine): وهو الهرمون الأكثر شهرة إذ كتب الكثير عنه، حيث يعمل هذا الهرمون على مكافئتنا “هرمون السعادة” عندما نتابع الأحداث المشحونة عاطفياً في القصة ليأخذنا إلى أسفل قمع التسويق. فإذا كان الكورتيزول يساعد في عملية الوعي، فإن الدوبامين يساعد إذا جاز التعبير في الإثارة والتحفيز على الاستمرار في الرحلة.
- هرمون الأوكسيتوسين (oxytocin): يأتي هذا الهرمون ليكون هو الدواء الرائع لرواية القصة. لا شك أن هناك العديد من المكونات الأخرى في الكائن البشري التي تساعدنا على جعلنا اجتماعيين، ولهذا فقد تم تحديد هرمون الأوكسيتوسين على أنه مادة كيميائية تعزز السلوك الاجتماعي والتعاطف. ووفقاً لعلماء القصة فإن هذا الهرمون هو ما يمكننا من التعرف على البطل في القصة.
الآن سنرجع إلى البروفيسور زاك ففي دراسة نُشرت له عام 2009طلب زاك من المبحوثين في الدراسة مشاهدة مقطعي فيديو. يروي أحدهم قصة أب يصارع ابنه الموت بسبب السرطان، ويكافح الأب من أجل إيجاد طريقة للتواصل مع ابنه. والفيديو الآخر عبارة عن مقطع فيديو كلاسيكي جداً وخالياً من دراما رواية القصة، حيث أن الأب والابن يتجولان في حديقة الحيوان.
فمن الطبيعي جداً أن يكون الفيديو الأول أكثر تفاعل لك كونه مليء بالعاطفة، حيث تم قياس مستوى المشاعر لدى المبحوثين ووُجِد ارتفاع مستوى هرمون الأوكسيتوسين في أجسادهم، إذ وصل إلى أكثر من 47% مقارنة بأولئك الذين لم يشعروا بالتعاطف مع الشخصيات في الفيديو الثاني.
لم تنتهي تجارب زاك عند هذه القصة، فقد أجرى تجربة أخرى مع المبحوثين وذلك بمنحهم المال وتمكينهم من إنفاقه كما يحلو لهم. إذ وجد زاك بأن الأشخاص محل التجربة الذين ارتفع لديهم مستوى هرمونات الكورتيزول والأوكسيتوسين كانوا “أكثر ميلاً للتبرع بالمال بسخاء”.
دعونا نتوقف للحظة ونلخص ما تم تناوله، طبعاً لن أتظاهر بالفهم التام لكيمياء الدماغ أو ما يعرف بالهرمونات المستخدمة في التسويق العصبي، فملخصها كالتالي:
- هرمون الكورتيزول: هي المادة الكيميائية التي تساعد على الوعي.
- هرمون الدوبامين: هي المادة الكيميائية التي تساعد على الإثارة (المتعة).
- هرمون الأوكسيتوسين: هذه المادة عندما تتحد مع الكورتيزول أو الدوبامين والمواد الكيميائية الأخرى المحتملة عند رواية القصة؛ ففي هذه الحالة فقد حصلنا على الدواء الذي يدفعنا للعمل واتخاذ الإجراء المطلوب، وهي ما نعتبره الجائرة الكبرى في التسويق عبر الجزء الأسفل من قمع التسويق. حيث يمكن للشخص تغيير السلوك من خلال تغيير كيمياء الدماغ.
مصادر إضافية: